للشيخ الجليل محمد بن محمد الطالب بن علي المشهور بالتاودي ابن سودة نظرة متميزة في الوجوه التي ينتظم منها بيت المال في الدولة الإسلامية . واتضحت نظرته هذه في مصنفه الثمين " كشف الحال عن الوجوه التي ينتظم منها بيت المال " . معتمداً على آراء الفقيه الإمام مالك بن أنس (ت179هـ) ، والفقهاء الآخرين الذين اقتدوا به وتمسكوا بآرائه في هذا الشأن . وفي مقدمة هؤلاء الفقهاء : ابن مطرف (ت220هـ) ، وابن حبيب (ت238هـ) ، وابن نافع (ت186هـ) ، وابن الماجشون (ت212هـ) ، وابن القاسم (ت191هـ) ، والباجي (ت474هـ) ، واللخمي (ت478هـ) ، وابن عطية (ت541هـ) ، وابن شاس (ت610هـ) ، وابن عرفة (ت803هـ) . وغيرهم ممن عمل وتبنى آراء مالك بن أنس إمام دار الهجرة ^([i]) .

     ومما يستوجب منا أن نشير اليه ان هذا المصنف الثمين أقدم الشيخ التاودي على إنجازه تلبية لرغبة طالب لا يمكن رد طلبه حين أراد كشف الحال عن الوجوه التي ينتظم منها بيت المال ، وكيف التصرف في الأموال التي فيه وأين تصرف في ضوء ما أرساه الرسول صلى الله عليه وسلم ، وما عمل به السلف الصالح وسيرتهم فيه ^([ii]) .

     بيت المال مؤسسة مالية إسلامية مهمتها الإشراف على ما يرد من أموال على حاضرة الخلافة ، وما يخرج منه في أوجه النفقات المختلفة التي تتطلبها مرافق الدولة مع الاحتفاظ بمبلغ احتياطي كخزين ليصرف على مستحقيه بعد حين ^([iii]) . ويمكن ان نعد بيت المال من باب المجاز المصرف المركزي .

[i])) سيتم التعريف بهؤلاء الفقهاء عندما ترد آراؤهم في ثنايا البحث .

[ii])) التاودي ، كشف الحال ، ص 37 .

[iii])) قدامة ، الخراج ، ص 36 . الماوردي ، الأحكام السلطانية ، ص 297 .