كانت عناية المسلمين بالكتاب عناية فائقة ، فقد أحبوا الكتاب ، وافتخروا بتأليفه واقتنائه، وقد بدأ اهتمامهم بالكتاب مبكرا ، فهو من أهم ركائز الحضارة العربية الإسلامية ، إذ اعتبرت الكتاب هاديا لها فاعتمدت عليه ، واهتمت بنشره بشكل فاق كل الحضارات السابقة لها ، فلا تقاربها حضارة في عدد الكتب التي انتشرت في العالم زمن وجودها .
لقد حظيت الكتب المشرقية الوافدة عناية أهل الأندلس لأنهم وجدوا فيها من علم ومعرفة وحكمة وأدب هم بحاجة إليها ، ومن مظاهر العناية : حيث استقبلوا الكتب المشرقية استقبالا كريما ، فكان حفظها سبيلا إلى الشرف والرياسة ، ولم يكن حفظهم حفظا عاديا ، بل كان حفظا متقنا كحفظ القرآن الكريم ، مما أدى ذلك إلى ولادة فكر أندلسي جديد ساهم في تطوير مسيرة العلم الوافدة من المشرق بما أبدع من كتب جديدة ، إضافة إلى شروح الكتب المشرقية أو اختصارها .
لقد اهتم أهل الأندلس بنسخ الكتب المشرقية الوافدة عليهم ، وذلك لتسهيل انتشارها في أرجاء الأندلس ، فيقدم عليها الناس استفادة من مضمونها ، ودراسة لمحتواها ، كما قام علماء الأندلس بوضع التأليف على الكتب المشرقية الوافدة إلى بلادهم ، وذلك بشرح الغامض المستغلق أو اختصار المطول ، أو دراسة جزئية مخصوصة من كتاب معين وغير ذلك ، ولم تتوقف رحلة الكتاب المشرقي على علماء وطلاب الأندلس ، بل ساهم علماء المشرق بنقل الكتب المشرقية أثناء رحلتهم إلى الأندلس ، وقد كان لهؤلاء العلماء ، وكتب المشرق أثر فعال للنهضة العلمية ، والحركة الفكرية التي بلغت ذروة ازدهارها في القرون (الثالث والرابع والخامس الهجري) .
لقد كانت الأندلس طوال العصر العباسي ، خير مورد لمؤلفات المشرق الإسلامي ، وقد دخلت الأندلس كتب التفسير واللغة والآداب ، وكتب السير والنسب وكتب التأريخ والتراجم ، وكتب العلوم التجريبية