تتناول دراستنا هذهِ موضوع ( مُطبَق مدينة الزهراء الأندلسية 336-399هـ/947-1008م دراسة تأريخية ) , وتسلط هذه الدراسة التأريخية الضوء على أهم مؤسسة عقابية تأديبية في بلاد الأندلس في عهد الخليفتين عبد الرحمن الناصر( 300-350هـ/912-961م ), والحكم المستنصر(350- 366هـ/961-976م)، وعهد الحجابة العامرية, ألا وهي سجن مدينة الزهراء المسمّى بالمُطبَق. وسُمّي بالمُطبَق, لأنه يُطبَّق على مَنْ فيه، ولأنه يوجد تحت الأرض، وكان وثيق البناء قوي الأساس محكم الأسوار شديد الظلمة.
أُسسِّ مُطبَق الزهراء بأمر من الخليفة عبد الرحمن الناصر عندما أمر سنة 336هـ/947م ببناء مدينة الزهراء, والتي أُنشئت كمتنزه للخليفة وحاشيته, إلا أن هذه المدينة حوت على سجن قاسٍ جداً عُرف بمُطبَق الزهراء. وأصبح جزءً رئيساً من تخطيط المدينة، ومن المنشآت العمرانية المهمة فيها, لما أداه هذا المُطبَق من دور حاسم في فترة من فترات تأريخ بلاد الأندلس. وعُدّ من أهم المؤسسات العقابية التأديبية في بلاد الأندلس خلال حكم الخليفتين عبد الرحمن الناصر, وابنه الحكم المستنصر، وعهد الحجابة ( 366-399هـ/976-1008م).
وتبرز أهمية الموضوع من المكانة الكبيرة التي حظي بها هذا السجن رغم وجود سجون مدينة قرطبة العاصمة قريبة منه جداً, فقد خُصّص مُطبَق الزهراء لكبار الشخصيات السياسية والإدارية، والمعارضين، والأشخاص الذين لا تنسجم أفعالهم وأقوالهم مع العادات والتقاليد الاجتماعية ورؤية السلطة للمجتمع, فضلاً عن العلماء, والمثقفين, الذين أثاروا القلاقل بآرائهم الفكرية.
تميّز المُطبَق بميزات وخصائص ميزته عن بقية سجون الأندلس، ومنها إن أمر الاعتقال وأمر إطلاق سراح المعتقل يصدر من الخليفة نفسه حصراً. وتميّز بقساوته, وشدته, وضيقه, وأن المعتقل فيه يكون مكبلاً بالأصفادِ والأغلالِ طيلة مدة مكوثه به ، وتميّز بالظلمة الحالكة لا يُعرف فيه الليل من النهار ، واستخدِمَت فيه كل فنون التعذيب, والإهانة, والإذلال, كما وجد فيه مكان مخصص لتنفيذ عقوبة الإعدام ، وكان المُطبَق قريبا من مقر إقامة الحاكم ليشرف عليه بنفسه, فضلاً عن الحراسة المشددة عليه.
واحتوى مُطبَق الزهراء على عدد من الموظفين والعاملين فيه الذين يقومون بوظائف عديدة، ومن أهم تلك الوظائف وظيفة الضاغط , وهي الوظيفة التي يقوم بها مَنْ يتولى تعذيب وإهانة السجناء، وهذهِ الوظيفة وجدت بمُطبَق الزهراء دون غيره من سجون الأندلس.
انتهى دور المُطبَق سنة 399هـ/1008م بحرقه وهدمه على يد البربر، ولم يبقَ له ذكر في المصادر التأريخية بعد تلك المدة .