اهتمت الخلافتين الأموية والعباسية بالرسوم باعتبارها واحدة من أهم المظاهر الحضارية ومن بينها مواكب الخلفاء، وايضاً شهدت مصر قبل حكم الفاطميين ولاسيما في عصر الطولونيين ومن بعدهم الاخشيديين اهتمامهم بالمواكب وإن كانت لاتشهد ذلك الترف والابهة التي أصبحت عليها في عهد الفاطميين ([1]).
ويروى ان ابن طولون اهتم بمكان جلوسه في المواكب واتخذ لنفسه العرش وامتازت الاحتفالات على عهده بالابهة، وكما كانت تقام المآدب والاسمطة ولاسيما في المناسبات والاحتفالات التي يقيمها ([2])؛ وكانت تنصب موائد الطعام والحلوى في الاعياد خلال العصر الاخشيدي، فقد أمر ابا بكر محمد بن علي الماذرائي وزير الدولة الاخشيدية بأن يعمل له كعكاً وسماه (افطن له) وعمل عوضاً عن حشو السكر دنانير، فلما حضر الناس في يوم العيد اكلوا من طعامه واراد بعض خدمه ان يؤثر أحد الأشخاص فقال له: افطن له، واشر إلى الكعك، فتناول منه وصار يأخذ ما في حشوه من الذهب ([3]).
واتخذ ابن طولون لنفسه موكباً، يتقدمه صبيان الركاب وبجانبه افراد حرسه الخاص، مرتدين الملابس المزركشة وحاملين اسلحتهم ودروعهم ورافعين الاعلام السوداء، نسبة إلى الدولة العباسية. اما المواكب العسكرية وعرض الجيش فقد عرضت مصر هذا النوع من المواكب في عهد الطولونيين ومن بعدهم الاخشيديين، فقد كان محمد بن طغج يخرج في موكبٍ لاستعراض جيشه في أيام الاعياد وفي بعض المناسبات الأخرى كما كان يفعل ابن طولون من قبله ([4]).
وأقدم اشارة نستدل منها على مشاركة الأمراء الطولونيين للمصريين في الاحتفال بوفاء النيل ما كتبه ابن رسته في كتابه الذي الفه عام 290 هـ ([5]).
وقد عرف المصريون – في العصر الاخشيدي – التقليد المتبع بشأن الاحتفال بإنزال السفن إلى البحر حين يتم بناؤها وخروج الأمير الاخشيدي في موكب لمشاهدة هذا العرض، فقد روى يحيى بن سعيد في حوادث سنة 349هـ لما تهيأ الناس إلى غزو بلاد الروم : " وركب كافور إلى دار الصناعة ووقف ليطرح مركباً حربياً عظيماً كان بها إلى البحر ... ، فأجتمع الناس وجلسوا على حافته وتزاحموا عليه لينظروا نزول الموكب إلى البحر " ([6]).
اما في العصر الفاطمي فقد بلغت مظاهر الحضارة أوج عظمتها وطغت اثارة على ما كان في مصر قبلها من مظاهر، وقد عرف الفاطميون المواكب والرسوم المصاحبة لها منذ العصر الفاطمي الأول غير انها ابطلت عام (487هـ/ 1100م) عقب وفاة الخليفة المستنصر بالله مادة عشرين عاماً كان فيها الأفضل بن بدر الجمالي هو الحاكم الفعلي والمسيطر على مجريات الأمور فتعطلت الكثير من رسوم الدولة وفي عام (516هـ/ 1122م) اعيدت الاحتفالات وشهدت الرسوم تطوراً كبيراً في عهد الخليفة الأمر بأحكام الله.
[1]() الحويري، محمود محمد، مصر في العصور الوسطى، ط1، القاهرة، 1996، ص146.
[2]() البلوي، ابي محمد عبد الله بن محمد المديني، سيرة احمد بن طولون، تحقيق: محمد كرد علي، القاهرة، لا.ت، ص 75.
[3]() ابن ميسر، تاج الدين محمد بن علي بن يوسف (ت 677هـ)، اخبار مصر، تحقيق: ايمن فؤاد سيد، المعهد العلمي الفرنسي للاثار الشرقية، القاهرة، 1981، ص 127.
[4]() البلوي، سيرة احمد بن طولون ، ص 75؛ وينظر: الأنصاري، ناصر، المجمل في تاريخ مصر النظم السياسية والإدارية، ط1، دار الشروق، القاهرة، 1991، ص 104؛ كاشف ، سيدة إسماعيل ، مصر في عصر الاخشيديين، مطبعة فؤاد الأول ، القاهرة، 1950، ص 247.
[5]() ابو علي احمد بن عمر( ت 290هـ)، الاعلاق النفيسة، ليدن، 1891-1892، ص116.
[6]() الانطاكي ( ت 458 هـ)، تاريخ الانطاكي المعروف بصلة تاريخ اوتيخا، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، طرابلس - لبنان، 1990، ص 93.