عاشت نينوى عصورا تاريخية موغلة بالقدم (عاصمة الاشوريين سنة 1080 ق.م ) وتنوعت عليها الحكومات التي تركت اثرا او مجموعة اثار متنوعة وثّقت وسجلت تواجدها على ارضها، ومثلها كانت الموصل (عبورياء الارامية) وعرفت باسم الحصنين عند قوات الجيش العربي الاسلامي الذي اتخذ من الضفة الغربية لنهر دجلة مقرا وسكنا عند الفتوحات الاسلامية للجزيرة وجبال الاكراد (16ه\637م -21ه\641م) فاقيمت هناك دار الامارة والمسجد وخطط القبائل العربية، فوصلت بذلك بين العراق و الجزيرة وقيل ما بين ضفتي دجلة (حيث نينوى الاشورية على الضفة الشرقية منه)، ومن هذه العصور التاريخية التي شهدتها الموصل كان الوجود الزنكي على يد عماد الدين زنكي (الذي استقل بحكم المدينة عن السلاجقة فترة خلافة المستضئ العباسي) سنة 521ه\1132م ومجموعة الاثار والعمائر التي شيدت، ومنها الجامع النوري ومئذنته الطويلة الحدباء (ارتفاعها 65 م)، ترجع عمارة المكان الى القائد نورالدين محمود زنكي الذي قرر سنة566ه\1170م اقامة مسجد جامع اكثر سعة من العمري (جامع الفتح) الذي ضاق بالمصلين، فكان ثاني جامع اتخذ موقعه بالساحل الايمن من الموصل، على الضفة الغربية من دجلة الخير، تخطيطه عبارة عن مصلى مستطيل الشكل مساحته (143م) ترفع سقفه اعمدة رخام منه يتوصل للصحن الذي خلى من المجنبات والمؤخرة فكان ذلك ميزته الهندسية وعمارته التي استغرقت سنوات ثلاثة ليفتتح (سنة 568 ه\1173 م) بحضور نورالدين الذي صلى فيه ورتب كادره العامل والاحباس الموقفة لادامته فكان من اشهر المعالم الاسلامية للموصل وكذلك اعلن عن اقامة مدرسة بنفس الموقع مكملة للجامع ومنارته التي اعتلت الركن الشمالي الغربي من حرم الجامع و نالت شهرتها في دقة تصميمها الهندسي وزخارفها والحسابات الهندسية للارتفاع (فهي حسب الإحصاءات الاثارية اطول الابراج المائلة من سبعة عشرة برج مائل بالعالم ) وهندسة تخطيطها قسمين، الاول قاعدة حجرية متينة بارتفاع (8م) والثاني العلوي من الآجر وبارتفاع (7م ) تعلوه بدنة على شكل سبع وحدات دقيقة الزخرفة قطرها (3م) وارتفاع (20م ) مميزة اضافة الى سلمين داخليين كفكرة عمارية هندسية لعلاج ثقل المنار وارتفاعه نسبة لجاذبية الارض والانحراف الذي بسببه عرفت بالحدباء لاحقا، بسبب عوامل مناخية كذلك المياه الجوفية ورغم ذلك ظلت شاخصة مرتفعة على مدى تسعة قرون من عمر الزمن (كانت ادرجتها مؤسسة الصندوق العالمي للآثار والتراث ضمن قائمة اكثر مئة اثر مهددة في العالم ) تحكي قصة عبقرية المعمار ابراهيم الموصلي وذكائه في علاج ارتفاعها ودراسة حالات الطقس واتجاه الرياح واخذها بالحسبان على العكس من عمارة الجامع الذي تعرض لعمليات بناء وترميم متكرره (اخرها هدمه واعادة بنائه بالكامل مع المدرسة عام 1944 م) فهي الاثر الوحيد الاصيل الباقي من المبنى برمته، حتى طالت الجميع يد الدمار السوداء لتقضي على تاريخ كامل من ضمن ما تخرب من اثار المدينة التاريخية(مثل مدينة الحضر ومدينة النمرود الاثرية بالكامل، تدمير محتويات متحف نينوى، اتلاف محتويات المكتبات) على يد عصابات داعش المجرمة فكان الموقع اخر مافجرته عند انسحابها مذلولة على يد قوات التحرير العراقية في( 25 رمضان لسنة 2017م) منهية بذلك قصة حضارة عميقة الاثر رسمتها ملامح الزمن وانجازات الحكام امتدت لقرون، وذلك هو محور بحثنا الذي اهتم باستعراض الجامع والمنارة تخطيطا وهندسة ونفقة ومراحل التجديد والتعمير حتى الاعلان حديثا عن تولي مركز التراث العالمي وبتمويل من دولة الامارات العربية اعادة اعمار الجامع والمئذنة والارض المحيطة بها ضمن خطة عمل تستغرق سنوات خمس ونفقة تبلغ خمسون مليون دولار، بالاضافة الى التعريف بالموصل ومكانتها التاريخية كذلك القائد نورالدين زنكي، ومقدمة وخاتمة وتوصيات مطالبة بتسجيل الاثر لدى المنظمات الدولية المشرفة على نفائس الاثار بالعالم، وتوثيق الاعلان رسميا بان المئذنة كانت من اطول الابراج المائلة عالميا، واقامة حملات دعائية للتعريف بالاثر وما تعرضت له المدينة وكنوزها التاريخية و الاثارية من تخريب ونسف لاكثر معالمها التاريخية.